قصيدة خياليه القاها الشاعر في مهرجان الشعر الأول الذي عقد بالعاصمة السورية دمشق سنة 1959م وقف هاشم الرفاعي وألقى قصيدته الرائعة ( رسالة في ليلة التنفيذ ) والتي صوّر فيها محكوماً بالإعدام يخاطب أباه في أخر ليلة من عمره قبل تنفيذ حكم الإعدام ..
أبتاه ماذا قد يخط بنانى &&& و الحبل و الجلاد ينتظران
هذا كتاب اليك من زنزانة &&& مقرورة صخرية الجدران
لم تبق الا ليلة احيا بها &&& واحس ان ظلامها اكفانى
ستمر يا ابتاه لست اشك &&& فى هذا وتحمل بعدها جثمانى
الليل من حولى هدوء قاتل &&& والذكريات تمور فى وجدانى
ويهدنى المى فانشد راحتى &&& فى بضع ايات من القران
والنفس بين جوانحى شفافة &&& دب الخشوع بها فهز كيانى
قد عشت أومن بالاله ولم اذق &&& الا اخيرا لذة الايمان
شكرا لهم انا لا اريد طعامهم &&& فليرفعوه فلست بالجوعان
هذا الطعام المر ما صنعته لى &&& امى ولا وضعوه فوق خوان
كلا ولم يشهده يا ابتى معى &&& اخوان لى جاءاه يستبقان
مدوا الى به يدا مصبوغة &&& بدمى وهذه غاية الاحسان
والصمت يقطعه رنين سلاسل &&& عبثت بهن اصابع السجان
ما بين اونة تمر واختها &&& يرنو الى بمقلتى شيطان
من كوة بالباب يرقب صيده &&& ويعود فى امن الى الدوران
انا لا احس باى حقد نحوه &&& ماذا جناه فتمسه اضغانى
هو طيب الاخلاق مثلك يابى &&& لم يبد فى طمأ الى العدوان
لكن إن نام عنى لحظة &&& ذاق العيال مرارة الحرمان
فلربما وهو المروع سحنة &&& لو كان مثلى شاعرا لرثانى
أو عاد من يدرى الى اولاده &&& وذُكّرَ صورتى لبكانى
وعلى الجدار الصلب نافذة بها &&& معنى الحياة غليظة القضبان
قد طالما شارفتها متأملا &&& فى السائرين على الأسى اليقظان
فأرى وجوما كالضباب مصورا &&& ما فى قلوب الناس من غليان
نفس الشعور لدى الجميع وإنما &&& كتموا وكان الموت فى إعلانى
ويدور همس فى الجوانح ما الذى &&& فى الثورة الحمقاء قد أغران
أو لم يكن خيرا لنفسى ان أرى &&& مثل الجموع أسير فى إذعان
ما ضرنى لو قد سكت وكلما &&& غلب الأسى بالغت فى الكتمان
هذا دمى سيسيل مطفئا &&& ما ثار فى جنْبَىَّّ من نيران
وفؤادى الموار فى نبضاته &&& سيكف من غده عن الخفقان
والظلم باق لن يحطم قيده &&& موتى ولن يودى به قربان
ويسير ركب البغى ليس &&& يضيره شاة اذا اجتثت من القطعان
هذا حديث النفس حين تشف عن &&& بشريتى وتمور بعد ثوان
وتقول لى إن الحياة لغاية &&& أسمى من التصفيق للطغيان
انفاسك الحرى وان هى أخمدت &&& ستظل تغمر افقهم بدخان
وقروم جسمك وهو تحت سياطهم &&& قسمات صبح يتقيه الجانى
دمع السجين هناك فى أغلاله &&& ودم الشهيد هنا سيلتقيان
حتى اذا ما أفعمت بهما الربا &&& لم يبق غير تمرد الفيضان
ومن العواصف ما يكون هبوبها &&& بعد الهدوء وراحة الربانى
إن احتدام النار في وجهه &&& أمر يثير حفيظة البركان
وتتابع القطرات ينزل بعده &&& سيل يليه تدفق الطوفان
فيموج يقتلع الطغاة مزمجرا &&& اقوى من الجبروت والسلطان
أنا لست ادرى هل ستذكر قصتى &&& ام سوف يعدوها رحى النسيان
او أننى سأكون فى تاريخنا &&& متآمرا أم هادم الاوثان
كل الذى ادريه ان تجرعى &&& كأس المذلة ليس فى إمكانى
لو لم أكن فى ثورتى متطلبا &&& غير الضياء لامتى لكفانى
اهوى الحياة كريمة لا قيدلا &&& إرهاب لا إستخفاف بالإنسان
فاذا سقطُت سقطُت أحمل عزتى &&& يغلى دم الاحرار فى شِريانى
أبتاه إن طلع الصباح وأضاء &&& نور الشمس كل مكان
واستقبل العصفور بين غصونه &&& يوما جديدا مشرق الألوان
وسمعت أنغام التفاؤل ثرة &&& تجرى على فم بائع الالبان
واتى يدق- كما تعود- بابنا &&& سيدق باب السجن جلادان
واكون بعد هنيهة متأرجحا &&& فى الحبل مشدودا الى العيدان
ليكن عزاؤك ان هذا الحبل ما &&& صنعته فى هذى الربوع يدان
نسجوه فى بلد يشع حضارة &&& وتضاء منه مشاعل العرفان
او هكذا زعموا وجىء به الى &&& بلدى الجريح على يد الاعوان
أنا لا اريدك ان تعيش محطما &&& فى زحمة الألام والاشجان
إن ابنك المصفود فى أغلاله &&& قد سيق نحو الموت غير مدان
فاذكر حكايات بأيام الصبا &&& قد قلتها لى عن هوى الأوطان
وإذا سمعت نشيج امى فى الدجى &&& تبكى شبابا ضاع فى الريعان
وتكتم الحسرات فى أعماقها &&& ألما تواريه عن الجيران
فاطلب اليها الصفح عنى اننى &&& لا ابتغى منها سوى الغفران
مازال فى سمعى رنين حديثها &&& ومقالها فى رحمة وحنان
أبنى إنى قد غدوت عليلة &&& لم يبق لى جلد على الأحزان
فأذق فؤادى فرحة بالبحث &&& عن بنت الحلال ودعك من عصيان
كانت لها أمنية ريانة &&& يا حسن أمال لها وأمان
غزلت خيوط السعد مخضلاولم &&& يكن إنتفاض الغزل فى الحسبان
والان لا ادرى باى جوانح &&& ستبيت بعدى أم باى جنان
هذا الذى سطرتهولك يا أبى &&& بعض الذى يجرى بفكر عان
لكن إذا إنتصر الضياء ومُزقت &&& بيد الجموع شريعة القرصان
فلسوف يذكرنى ويُكبر همتى &&& من كان فى بلدى حليف هوان