تحول الشاب المصري خالد سعيد، إلى "بوعزيزي الانتفاضة المصرية"، بعد أن كانت وفاته سببا لانطلاق مظاهرات 25 كانون ثاني / يناير الماضي والتي لا زالت مستمرة حتى اليوم، وقتل سعيد على يد أفراد من الشرطة السرية بعد كشفه عن تورط أفراد في الشرطة في تجارة المخدرات.
في السابع من شهر يونيو الماضي، اعتدي إثنان من الشرطة السرية على شاب مصري يسكن في مدينة الإسكندرية بالضرب الوحشي في أحد مقاهي الإنترنت حتى فقد حياته. وذلك عقاباً له على نشر فيديو على شبكة الإنترنت يظهر تورط رجال شرطة في تجارة المخدرات. ولم يدر بخلدهما لحظة واحدة أنهما سوف يتعرضان للمساءلة القانونية، على إعتبار أن النظام الحاكم يحمي كل عناصره، صغيرهم وكبيرهم، ويسخر ترسانة من القوانين تحول دون تقديم أي منهم إلى المحاكمة بتهمة التعذيب أو القتل. ولكن خاب ظن الجميع، حيث تحولت وفاة هذا الشاب الذي يدعي خالد سعيد إلى الحدث الأهم في مصر طوال السبعة أشهر الماضية، وتطورت تبعات مقتله على يد الشرطة من مجرد وقفات إحتجاجية محدودة يرتدي فيها المصريين الملابس السوداء، وهم وقوف على الكورنيش، ينظرون إلى نيل القاهرة أو البحر المتوسط بالإسكندرية والدموع تفيض من أعينهم، إلى مظاهرات حاشدة، صارت ثورة مجيدة كادت تطيح بنظام الرئيس حسني مبارك، الذي ما زال يترنح أمام الحشود الرافضة لإستمراره في الحكم. ينظر المصريون إلى خالد سعيد ضحية التعذيب إليه باعتباره "بوعزيزي الثورة المصرية". وينظرون كذلك إلى التعذيب بوصفها الجريمة التي أسقطت مبارك، رغم أنه ما كان يخطر له ببال أن ينزله الشعب من على سدة الحكم رغماً عنه، لاسيما وأنه أعلن من قبل أثناء خطاب له في مجلس الشعب بقاءه في الحكم "ما دام القلب ينبض"، بل كان ينوي توريث الحكم لنجله الأصغر جمال.
انطلقت الدعوى إلى مظاهرات 25 يناير من صفحة "كلنا خالد سعيد" على الموقع الإجتماعي الشهير فايسبوك، والذي يضم ما يزيد على سبعة ملايين ونصف المليون مصري، وجاء إختيار يوم 25 يناير، بوصفه اليوم الذي يوافق إحتفال الشرطة المصرية بعيدها السنوي. ولأول مرة منذ ثلاثين لم يحتفل الرئيس مبارك وقياداته الأمنية بهذا العيد في مقر المجلس الأعلى للشرطة بصفته الرئيس الأعلى له. وتقديم التحية إلى من يصفهم دائماً ب"رجال الشرطة الشرفاء، الذين يسهرون على أمن وسلامة والوطن"، متجاهلاً كل الإنتقادات الموجهة إلى هذا الجهاز الأمني المتخضم، ولعل أخطرها ممارسة التعذيب.
"الآن يمكن لروح خالد سعيد أن ترقد هادئة، فقد أخذنا بثأره ممن قتلوه جميعاً، بمن فيهم كبيرهم وزير الداخلية حبيب العادلي، وكبير كبيرهم الرئيس حسني مبارك"، هكذا قال محمود سيمان عضو حركة كلنا خالد سعيد، وأضاف ل"إيلاف": خالد سعيد تحول طوال الفترة منذ يونيو الماضي إلى رمز بصفته أشهر ضحية للتعذيب الذي تمارسه وزارة الداخلية في مصر ضد المواطنين بمنهجية منذ قيام ثورة يوليو من العام 1952. وقد دعونا طوال تلك الفترة إلى العديد من المظاهرات والوقفات الإحتجاجية، للتنديد بمقتل خالد والمطالبة بمحاكمة قاتليه، وردت الدولة بكامل أجهزتها علينا بالقمع والإعتقال، وأنكرت تورط الشرطيين في الجريمة، ولولا تدخل الدول الخارجية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية ودول الإتحاد الأوروبي، لأقفلت القضية، ولكن تم التحقيق فيها من قبل النائب العام، بسبب تلك الضغوط، وجري تقديم الجانيين للمحاكمة، بتهمة إستعمال القسوة وليس التعذيب أو القتل العمد، مما يعزز من فرص إفلاتهما من العقاب. وتابع سليمان: جاءت دعوتنا للتظاهر في يوم عيد الشرطة في محاولة منا للإحتجاج على التعذيب الذي أنتشر بصورة مفزعة بعد حادث التفجير الذي وقع أمام كنيسة القديسيين بالإسكندرية، وأدي إلى وفاة ضحية جديدة هو الشاب السيد بلال الذي كان يعيش في مدينة الإسكندرية أيضاً، ولم نكن نتوقع أن تلقي دعوتنا كل هذه الإستجابات من المواطنين، وخاصة الشباب، ولكن يبدو أن الجميع يعاني من الظلم والقهر من نظام بوليسي أستخدم أجهزته الأمنية طوال ثلاثين عاماً لحماية نفسه وحاشيته وأذنابه من الشعب، وها هو الشعب يثور من أجل أسقاطه، ولن نرحل من ميدان التحرير حتى يرحل مبارك من الحكم، فقد أثبت اليوم أنه نظام غير جدير بالثقة، فهاهو يرسل قطعان من رجال الشرطة و البلطجية والمسلجين الجنائيين إلى الميدان لإرهاب المتظاهرين السلميين، ويعتدون عليهم بالعصي والسنج ـ"سكاكين كبيرة تستخدم في أعمال الجزارة"ـ ويطلقون عليهم القنابل المسيلة للدموع، لن نرحل، لأن خطاب مبارك الذي أعلن فيه عدم الترشح لولاية رئاسية جديدة، لم يكن إلا محاولة منه لألتقاط الأنفاس، والتنكيل بمعارضيه، ولاسيما الشباب الذين قادوا الثورة، لذلك لن نرحل، إلا إذا رحل هو.
ووفقاً لنادر شريف الناشط في حركة كلنا خالد سعيد فإن الطريقة الوحشية التي قتل بها خالد سعيد، والأسلوب القمعي الذي وجهت به الإحتجاجات المنددة بمقتله، و كذلك الدفاع المستميت من النظام الحاكم بكافة مؤسساته عن الجناة، تسبب في سخط الشعب المصري، وخاصة الشباب، وتولد حالة من الغضب الشديد ضد جهاز الشرطة و نظام الرئيس مبارك ككل. وأضاف شريف ل"إيلاف" إن حالة الغضب زادت بعد سقوط ضحية جديدة للتعذيب في الإسكندرية بعد أحداث كنيسة القديسيين هو الشهيد السيد بلال. واستطرد: كل ذلك تزامن مع انتشار الفساد والبطالة وتزوير الإنتخابات النيابية، وأدي إلى تفاعل الجميع مع الدعوة التي أطلقت عبر صفحة "كلنا خالد سعيد" على موقع الفايس بوك، لتنظيم مظاهرة حاشدة في ميدان التحرير في يوم عيد الشرطة، الحقيقة لم نكن نتوقع أن تزيد أعداد المشاركين عن ألف شخص على أكثر التقديرات، وليس عشرات الألاف في مختلف أنحاء الجمهورية، زادت إلى مئات الآلاف ثم الملايين في جمعة الغضب والثلاثاء الماضي، لقد جعل الله استشهاد خالد سعيد الشرارة التي فجرت الثورة المصرية، كما كان استشهاد الشاب محمد البوعزيزي في تونس مفجراً لثورة التونسيين التي أطاحت بنظام الرئيس زين العابدين بن على، وأعتقد أن روح خالد سعيد لن تهدأ إلا بإسقاط نظام الرئيس مبارك ومحاكمته هو وعائلته وحاشيته وقيادة الحزب الوطني الحاكم، وسوف تستمر الثورة إلى تحقيق أهدافها تلك كاملة.
وأعربت والدة من يسمى بـ "شهيد الطوريء" خالد سعيد، كما يطلق عليه النشطاء السياسيون والحقوقيون في مصر،عن سعادتها بالثورة التي خرجت وأجبرت الرئيس مبارك على تقديم تنازلات موجعة بالنسبة له، مثل عدم الترشح لأنتخابات الرئاسة المقبلة، وقالت ل"إيلاف": أنا سعيد جداً بالثورة التي أندلعت للثأر ممن قتلوا إبني، وسعيدة جداً بهؤلاء الشباب الذين أسسوا صفحات باسمه على الأنترنت، علماً أني لم ألتق أي منهم حتى الآن، لكن أشعر أنهم جميعاً أبنائي، إن الله عوضني عن خالد بملايين الشباب، حقاً كلهم خالد سعيد، اللهم أنصر هؤلاء الشباب على المتجبرين الذين يحاولون إذلالنا.
وأكدت والدة خالد سعيد ـ التي شاركت جميع المظاهرات والوقفات الإجتجاجية المنددة بمقتل إنبها بالإسكندرية، ودعت إلى مظاهرات 25 ينايرـ أنها تؤيد أستمرار المظاهرات حتى رحيل الرئيس مبارك، مبررة ذلك بأنها لا تثق في وعود الحكومة الحالية، وأنها تخشي تعرض الشباب المشاركين فيها للإعتقال والتعذيب والموت على أيدي الشرطة.