بمجرد أن تعبر قدماك مدخل ميناء السلوم البرى تشعر بأنك داخل حدود دولة
أخرى غير مصر، حيث توجد أعداد هائلة من المصريين العائدين من ليبيا يفترشون
أرصفة ميناء السلوم بحثاً عن ميكروباص يستقلهم إلى بلادهم، إلى جانب
الجنسيات المختلفة مثل السودانيين والبنجلاديش الهاربين من الأحداث البشعة
التى تشهدها ليبيا، وذلك فى ظل عدم امتلاك الكثير من المصريين أى نقود
لشراء أطعمة لأطفالهم العائدين معهم، أو حتى استقلالهم سيارات للعودة إلى
منازلهم لاطمئنان أسرهم عليهم.
الإحباط والبؤس رسما طريقهما على وجوه المصريين العائدين من ليبيا بعدما
فقدوا كل ما يملكون هربا من الأحداث التى تشهدها ليبيا خلال هذه الأيام،
بسبب الاحتجاجات من جانب الليبيين والمطالبة بإسقاط النظام الحاكم، وهو ما
جعل المئات من المصريين لا يعرفون ما سيفعلون سوى أنهم سيعودون إلى ليبيا
مرة أخرى لإعادة نقودهم وأملاكهم، رغم سخونة الأحداث التى تشهدها، وتعرض
الكثير من المصريين للقتل والإصابة، وذلك خوفاً من شبح البطالة والفقر الذى
عانوا منه قبل السفر فى بلادهم.
الخوف من معاناة الحياة فى مصر فى ظل امتداد طابور البطالة، وإحساس
المواطنين بالظلم بسبب عدم تحقيق العدالة الاجتماعية بين المواطنين جعل
مئات المصريين العائدين من ليبيا يصرون على العودة مرة أخرى بمجرد وصولهم
إلى منازلهم، وتركهم أسرهم وأطفالهم فى مصر ليبدأوا رحلة العودة بمفردهم
إلى ليبيا خوفاً من جحيم الفقر، نظراً لأن غالبيتهم من العمالة الموسمية
والمؤقتة وغير حاملى مؤهلات عليا أو متوسطة.
تعرض المصريون للإهانة والضرب من جانب الشرطة الليبية جعلهم يشعرون بأن
المواطن المصرى ليس له أية كرامة فى الخارج بعدما ضاعت كرامته فى الداخل،
هذا ما أكده المغاورى السيد (أحد المواطنين العائدين من ليبيا)، والذى ظل
جالساً فى ميناء السلوم لأكثر من ست ساعات أملا فى استقلال سيارة بالمجان،
بعدما فقد كل نقوده التى جمعها خلال عامين قضاهما فى الغربة بعيداً عن
أسرته من أجل توفير حياة كريمة لهم، خاصة وأن والدته تعانى من أمراض مزمنة،
وتحتاج نفقات علاج تتجاوز 700 جنيه شهريا، مؤكداً أن سيعود إلى ليبيا بعد
يومين للحصول على نقوده من صاحب المزرعة التى ظل يعمل بها لأربع سنوات،
إضافة إلى استمراره فى العمل لتوفير نفقات أسرته.
"الموت الذى شهدته بعينى فى ليبيا، وتعرض الكثير من المصريين لإصابات بالغة
الخطورة لا يفرق كثيراً عن الموت بسبب الفقر وشدة الجوع، وإحساس الشخص
بالعجز فى تدبير احتياجات أولاده" هذه الكلمات جسدت معاناة (رمضان
العباسى)، والذى تحدث معنا من داخل ميناء السلوم، موضحاً أنه ظل يعمل "مبيض
محارة" باليومية لأكثر من عام ونصف العام من أجل توفير نفقات المعيشة فقط،
لافتاً إلى أن معاناته فى توفير قوت يومه فى بلاده قبل السفر إلى ليبيا
جعلته يصر على العودة إلى ليبيا قائلا "والله العظيم شربت المرارة فى
الغربة علشان أوفر لأولادى قوت يومهم".
حالة الحزن التى سيطرت على الغالبية العظمى من المصريين العائدين من ليبيا
عبر ميناء السلوم البرى خوفاً من شبح البطالة فى مصر، خاصة بعدما فقدوا
نقودهم التى ظلوا يجمعوها فى سنوات الغربة، جعلهم يطلبون من محرر "اليوم
السابع" ضرورة عرض مشاكلهم على الحكومة المصرية أملا فى أن يستمع لهم أحد،
خاصة فيما يتعلق بالمعاملة السيئة التى يلقونها خارج بلادهم، وتعرضهم للسب
والضرب والسرقة حتى فى الأيام العادية قبل حدوث المظاهرات المطالبة بإسقاط
النظام اليبيى.
فى الوقت ذاته قامت القوات المسلحة بإنشاء مستشفى ميدانى بالقرب من ميناء
السلوم البرى لعلاج المصابين العائدين من ليبيا بالمجان، حيث استعانت بجميع
التخصصات الطبية لإجراء عمليات جراحية للحالات التى تطلب ذلك، إضافة إلى
إقامة عدد 2 معسكر إيواء لاستضافة من يرغب فى المبيت من المصريين لحين
عودته إلى بلاده.