بعد ما يقرب من نصف قرن على منصة القضاء وقبل تقاعده فجر المستشار كمال اللمعى، رئيس محاكم القضاء الإدارى ونائب رئيس مجلس الدولة فى حواره مع "اليوم السابع" العديد من المفاجآت التى قد تبدو صادمة ولكنها فى حقيقة الأمر هى مجرد حقائق كان مسكوت عنها بعد أن كشف عن تدخل جهاز أمن الدولة المنحل فى تعيينات القضاة وأكد أن صفقة تصدير الغاز لإسرائيل هى اتفاقية دولية تخضع لأعمال السيادية يجب احترامها ولا يجوز تعديلها أو إلغاؤها إلا من بعد مناقشتها أمام البرلمان الجديد.
وحينما سألناه عن رأيه فى الدعوى التى أطلقها بعض القوى السياسية بوضع الدستور أولا قبل إجراء الانتخابات "أمسك العصا من نصفها"، وأكد أن سواء المطالبين بالدستور أولا أو الانتخابات لهم حجيتهم وكلاهما يهدف لمصلحة مصر ولكن يجب احترام نتيجة الاستفتاء التى وافق عليها الشعب وبناء عليه وضع المجلس العسكرى خارطة الطريق.
وبرأ اللمعى اللجنة العليا لانتخابات 2010 من التواطؤ مع النظام السابق الذى يرى اللمعى أنه لا نستطيع محاكمة رموزه عسكريا وكان هذا الحوار:
◄ أصدرت محاكم القضاء الإدارى مئات الأحكام القضائية المتعلقة ببطلان إجراءت وإعلان نتائج بعض الدوائر فى انتخابات 2010، كيف ساهمت هذه الأحكام فى صنع ثورة 25 يناير؟
◄ كانت هذه الأحكام بمثابة صرخة مدوية من القضاء يعلن فيها مدى ما وصل إليه النظام الغابر من فساد واستبداد وتسلط على مصالح العباد، وكانت أيضا بمثابة مطرقة نبهت المواطنين إلى فداحة الجرم الذى ارتكبته الحكومة والنظام السابق وحزب الأغلبية البائد فى حق الشعب وبما ارتكبه من تزوير وقهر وإجهاض للمواطنين فى المعركة الانتخابية.
◄ يطالب البعض بإحالة جميع أعضاء اللجنة العليا للإنتخابات التى ترأسها المستشار سيد عبد العزيز، للتحقيق والمحاكمة لعدم تنفيذهم هذه الأحكام فما تعلقيك؟
◄ ترتب على عدم تنفيذ الأحكام القضائية أن سقط النظام كله، وليس أبلغ وأشد من هذا عقوبة، واللجنة العليا التى أشرفت على الانتخابات لم يثبت حتى الآن فى شأنها أنها قامت بالتزوير أو امتنعت عن التنفيذ من ذاتها، إنما كانت هناك مجموعة من الضغوط والقيود تكبلها وتعوق تنفيذ الأحكام، ولم تكن لهذه اللجنة من السلطات والاختصاصات ما يكفل تصحيح مسار العملية الانتخابية أو تصحيح الأخطاء التى شابتها وإنما كانت اختصاصاتها ظاهرية غير فعالة، وكانت قيادات الحزب الوطنى ورموز النظام السابق هى "المهيمنة".
◄ ماذا تقصد بمهيمنة على القضاء؟!
◄ اللجنة العليا للانتخابات ليست محكمة إنما كانت عبارة عن لجنة إدارية مكونة من قضاة واختصاصاتها إدارية، ولم تكن لها من السلطات ما يمكنها من تنفيذ هذه الأحكام، وإنما كانت السلطات الأخرى فى الدولة كمباحث أمن الدولة وغيرها تحول بينها وبين القيام بمهامها، فكان يتم تعذيب الصادر لصالحه الحكم واستخدام أسلوب الترهيب قبل أن يتحرك لتسليم الصيغة التنفيذية للحكم.
◄ وما رأيك فى الدعوة التى أطلقتها بعض القوى السياسية لوضع الدستور أولا قبل إجراء الانتخابات البرلمانية؟
◄ كلا الرأيين سواء المطالبين بالدستور أولا أو الانتخابات له حجته وكلاهما يهدف إلى مصلحة مصر ، ولكن الشرعية الدستورية تقتضى أن نخضع لما أسفر عنه الاستفتاء، وغالبية الشعب قالت نعم للمواد الدستورية المعدلة وبناء عليه تم وضع خارطة طريق ومراحل حددتها الجهة المختصة وهى المجلس الأعلى للقوات المسلحة وانتهت إلى جعل الإنتخابات البرلمانية هى المرحلة الأولى.
◄ وما وجهة نظرك الشخصية؟
◄ كنت أتمنى أن يتم تأخير إجراء الانتخابات البرلمانية وأن تكون المهلة المحددة قبل إجرائها أطول حتى تستطيع القوى السياسية الجديدة أن تتعرف على مطالب الشعب ويتعرف الشعب على برامجها، ولكن طالما وافق الشعب على المراحل التى حددها المجلس الأعلى للقوات المسلحة، واحتراما لشرعية الاستفتاء فلا مفر من أن نتبع هذه الخطوات المحددة، ونبدأ فى الانتخابات البرلمانية ونأمل فى أن يعد لها إعدادا جيدا من حيث الأمن والإشراف القضائى الكامل على كل مراحلها من إعداد جداول الناخبين وإدراج فى كشوف المرشحين وعمليات التصويت والفرز حتى إعلان النتائج النهائية.
◄ وهل تتوقع أن تشهد هذه الانتخابات أية نوع من العبث؟
◄ نظرا لأن الإعلان الدستورى ينص على تشكيل لجنة قضائية عليا للإشراف القضائى الكامل على الانتخابات، فالأمل كبير فى أن تجرى الانتخابات فى جو ديمقراطى وبشفافية تامة وبطريقة سوية تعبر بصدق عن اختيارات المواطنين.
◄ وهل تتوقع أن تتلقى محاكم القضاء الإدارى كم الطعون التى شهدتها فى الانتخابات الماضية؟
◄ لم أتوقع هذا إطلاقا لأن اللجنة القضائية المشكلة سيكون لها الإشراف الكامل بدأ من تلقى طلبات المرشحين وإدارج الجداول وغيرها، ولم تزيف الجداول الإنتخابية، ولم يتم التصويت والفزر تحت إشراف أمن الدولة كما كان يتم سابقا، وليس هناك حزب يستطيع أن يتدخل فى العملية الانتخابية.
◄ يقول البعض إن أيادى النظام السابق وصلت للتدخل فى شئون القضاة وسيطرت بشكل كامل على بعض مؤسساته، ما تعلقيك؟
◄ التدخل وارد لكن العبرة لمن يتعرض لمحاولات التدخل، ورغم كل المحاولات لم يكن هناك أى صدى أو تأثير لها من قريب أو بعيد وكانت الأحكام تصدر من وحى وضمير القضاة وعلى أسانيد قانونية صحيحة وبما يمليه ضمير القاضى ويراه محققا للعدالة.
◄ وهل تعرضت شخصيا لأية محاولة؟
◄ لم يحدث إطلاقا، ولكن كانت هناك إجراءات احتيالية لوقف تنفيذ الأحكام كرفع إشكالات وقف تنفيذ أمام محاكم غير مختصة.
◄ هل كان أمن الدولة يتحكم فى تعيين قضاة مجلس الدولة؟
◄ أمن الدولة كان لها رأى وأحيانا يؤثر فى حركة التعيينات بالجهات القضائية ولكنها أبدا لم تكن مسيطرة، فكانت تبدى الآراء على المتقدمين ولنا الحق فى أن نأخذ به أو لا نأخذ وكثير من الخريجين تم تعيينهم رغم اعتراض أمن الدولة، وبعد الثورة لم يعد لها أى دخل فى التعيينات.
◄ وكيف تقرأ محاكمات رموز النظام السابق؟
◄ المحاكمات الجنائية أمام المحاكم العادية تقتضى توافر ضمانات للمتهم حتى يبدى أوجه دفاعه وتستلزم بعض الوقت على عكس المحاكمات العسكرية التى تتسم بطابع السرعة وبناء عليه لا نستطيع أن نستعجل البت فى القضايا المقامة ضد رموز النظام السابق ويترك الأمر للقاضى المختص.
◄ وما رأيك فى المحاكمات العسكرية للمدنيين؟
◄ المحاكمات العسكرية لا غنى عنها وضرورية خاصة فى الظروف الحالية، فالأمن المدنى لم يعد بقوته والوضع يقتضى أن تتم محاكمات عسكرية سريعة خاصة مع تزايد أعمال البلطجة وإرهاب المواطنين، وبالتأكيد سيتم الحد منها فى الفترة المقبلة مع استقرار أحوال البلاد.
◄ ما رأيك فى الجدل حول صفقة تصدير الغاز لإسرائيل؟
◄ تصدير الغاز لإسرائيل اتفاقية دولية تخضع لأعمال السيادة ولا يجوز الطعن عليها أمام القضاء، ولكن يجوز للبرلمان القادم أن يناقشها ويراجعها ويعدلها، خاصة إن كانت شروطها مجحفة والسعر متدنيا، فأى اتفاقية قابلة للتعديل أو الإلغاء.
◄ ولكن صدر حكم من القضاء الإدارى بوقف تصدير الغاز لإسرائيل ألغته المحكمة الإدارية العليا؟
◄ لكل هيئة محكمة رؤية، وطالما أن الصفقة تنظم باتفاقية دولية فيجب ان تحترم لأن جزء من هيبة الدولة يتوقف على مدى احترامها للمعاهدات والاتفاقيات التى تبرمها، وكل معاهدة قابلة للتعديل والإلغاء لو تعارضت مع مصالح الدولة الحقيقية ولكن المشكلة هنا من يقوم بالتعديل ومن المختص، فسلطة الحكم هى المختصة ولا نستطيع أن نعدل الاتفاقية أو نلغيها إلا بعد مناقشتها أمام البرلمان الجديد.
◄ ما رأيك فى الطعون التى تقام على عقود بيع أراضى الدولة لرجال الأعمال؟
◄ العقد شريعة المتعاقدين اللهم إذا ثبت أن هناك غشا أو تدليسا او تواطؤا بين الطرفين عند إبرامه، ففى هذه الحالة الغش يفسد العقد، أما إذا كان السعر الذى تم به التعاقد يقل عن السعر الحقيقى، يمكن هنا مراجعة الأسعار مرة أخرى ويظل العقد قائما.
◄ ترى أن الحكومة قد جانبها الصواب عند إبرامها عقد مدينتى الجديد؟
◄ العقد الجديد سليم، ويحقق مصالح للدولة والمواطنين الذين تعاملوا بحسن نية على أرض المشروع، حيث تم إبطال العقد الأول تنفيذا لحكم الإدارية العليا وتم إبرام عقد جديد مع ذات الشركة لأن الحكومة وجدت أنه من الملائم أن يتم التعاقد معها لأنها الأقدر على إتمام ذلك المشروع، ولأن به آلاف العمال وهناك عدد كبير من الحاجزين تم التعاقد معهم والأراضى بيعت وتم البناء عليها، فهناك أمور كثيرة تعلقت بهذه الأرض التى تولت الشركة تنفيذ المشروع عليها وأصبح من الضرورى أن تباع الأرض لنفس الشركة ولكن بسعر جديد يلائم ويناسب واقع الحال وبالأسعار السائدة.
◄ لماذا وجهت اللوم لمجلس الوزراء بحل المجالس المحلية على مستوى الجمهورية؟
◄ المجالس المحلية كانت أداة من أدوات النظام السابق نفذت سياساته ورغباته، وأخلت بواجباتها تجاه هذا الوطن وكان من الواجب على مجلس الوزراء دون أية تراخ أو تأخير أن يصدر قرار بحلها لأنها فقدت شرعيتها بسقوط النظام وإلغاء دستور 71.
◄ أنت سجل حافل بالأحكام القضائية ما أهم هذه الأحكام بالنسبة لك؟
◄ أثناء رئاستى لدائرة العقود أصدرت حكما نهائيا ألزمت فيه الحكومة بدفع مبلغ 5 ملايين جنيه لرجل الأعمال وجيه سياج حول النزاع على الأرض التى خصصت له فى طابا، ولكن الحكومة لم تنفذ الحكم، فلجأ سياج إلى التحكيم الدولى وحصل على حكم لصالحه بتغريم مصر 74 مليون دولار، ولو كانت الدولة نفذت الحكم لوفرت كل هذا الفرق.
◄ ما الذى تم تنفيذه لتطوير محاكم القضاء الإدارى منذ بداية رئاستك لها؟
◄ تم تطوير عدة فروع وعمل لجنة جديدة فى الإسكندرية وفرع القضاء الإدارى فى المنصورة وقنا وأسيوط، وحاليا يجرى إنشاء مجمع كبير للقضاء الإدارى فى قنا، وجارى تطوير فرع مجلس الدولة فى بنها وشبين الكوم والإسماعلية ولكن ما ترتب على ثورة 25 يناير من تأخر الموارد المالية للدولة أدى لتوقف بعض المشروعات.